responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 395
[30]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
عَطَفَتِ الْوَاوُ قِصَّةَ خَلْقِ أَوَّلِ الْبَشَرِ عَلَى قِصَّةِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ انْتِقَالًا بِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَعَلَى بُطْلَانِ شِرْكِهِمْ وَتَخَلُّصًا مِنْ ذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَى خَلْقِ النَّوْعِ الَّذِي هُوَ سُلْطَانُ الْأَرْضِ وَالْمُتَصَرِّفُ فِي أَحْوَالِهَا، لِيَجْمَعَ بَيْنَ تَعَدُّدِ الْأَدِلَّةِ وَبَين مُخْتَلف حوادث تَكْوِينِ الْعَوَالِمِ وَأَصْلِهَا لِيَعْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مَا عَلِمَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي كَانُوا يُبَاهُونَ بِهِ الْعَرَبَ وَهُوَ مَا فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ مِنَ التَّوْرَاةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَوْقِعَ الدَّلِيلِ بِخَلْقِ آدَمَ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ هُوَ أَنَّ خَلْقَ أَصْلِ النَّوْعِ أَمْرٌ مُدْرَكٌ بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ إِذَا لَفَتَ ذِهْنَهُ إِلَى وُجُودِهِ عَلِمَ أَنَّهُ وُجُودٌ مَسْبُوقٌ بِوُجُودِ أَصْلٍ لَهُ بِمَا يُشَاهِدُ مِنْ نَشْأَةِ الْأَبْنَاءِ عَنِ الْآبَاءِ فَيُوقِنُ أَنَّ لِهَذَا النَّوْعِ أَصْلًا أَوَّلَ يَنْتَهِي إِلَيْهِ نُشُوءُهُ، وَإِذْ قَدْ كَانَتِ الْعِبْرَةُ بِخَلْقِ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا أُدْمِجَتْ فِيهَا مِنَّةٌ وَهِيَ قَوْله: لَكُمْ [الْبَقَرَة: 29] الْمُقْتَضِيَةُ أَنَّ خَلْقَ مَا فِي الْأَرْضِ لِأَجْلِهِمْ تَهَيَّأَتْ أَنْفُسُهُمْ لِسَمَاعِ قِصَّةِ إِيجَادِ مَنْشَأِ النَّاسِ الَّذِينَ خُلِقَتِ الْأَرْضُ لِأَجْلِهِمْ لِيُحَاطَ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ الْقُدْرَةِ مَعَ عَظِيمِ الْمِنَّةِ وَهِيَ مِنَّةُ الْخَلْقِ الَّتِي نَشَأَتْ عَنْهَا فَضَائِلُ جَمَّةٌ وَمِنَّةُ التَّفْضِيلِ وَمِنَّةُ خِلَافَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، فَكَانَ خَلْقُ أَصْلِنَا هُوَ أَبْدَعَ مَظَاهِرِ إِحْيَائِنَا الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي خَلْقِ مَا فِي الْأَرْضِ لَنَا، فَكَانَتِ الْمُنَاسَبَةُ فِي الِانْتِقَالِ إِلَى التَّذْكِيرِ بِهِ وَاضِحَةً مَعَ حُسْنِ التَّخَلُّص إِلَى ذكر خَبَرَهُ الْعَجِيبَ، فَإِيرَادُ وَاوِ الْعَطْفِ هُنَا لِأَجْلِ إِظْهَارِ اسْتِقْلَالِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا فِي عِظَمِ شَأْنِهَا.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 395
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست